فصل: سورة النور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


سورة النور

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ‏(‏1‏)‏‏}‏

هذه ‏{‏سُورَةٌ أنزلناها وفرضناها‏}‏ مخففة ومشددة لكثرة المفروض فيها ‏{‏وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءايات بينات‏}‏ واضحات الدلالات ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ بإدغام التاء الثانية في الذال تتعظون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏الزانية والزانى‏}‏ أي غير المحصنين لرجمهما بالسنة ‏(‏وأل‏)‏ فيما ذكر موصولة وهو مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو ‏{‏فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ أي ضربة يقال ‏(‏جَلَدَه‏)‏ ضَرَبَ جِلدَهُ ويزاد على ذلك بالسنة تغريب عام، والرقيق على النصف مما ذكر ‏{‏وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله‏}‏ أي حكمه بأن تتركوا شيئاً من حدهما ‏{‏إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر‏}‏ أي يوم البعث في هذا تحريض على ما قبل الشرط وهو جوابه أو دالّ على جوابه ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا‏}‏ أي الجلد ‏{‏طَائِفَةٌ مّنَ المؤمنين‏}‏ قيل ثلاثة وقيل أربعة عدد شهود الزنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏الزانى لاَ يَنكِحُ‏}‏ يتزوّج ‏{‏إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ أي المناسب لكل منهما ما ذكر ‏{‏وَحُرّمَ ذلك‏}‏ أي نكاح الزواني ‏{‏عَلَى المؤمنين‏}‏ الأخيار‏.‏ نزل ذلك لما همَّ فقراء المهاجرين أن يتزوّجوا بغايا المشركين وهنّ موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهن وقيل عام ونسخ بقوله تعالى ‏{‏وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ‏}‏ ‏[‏32‏:‏ 24‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يَرْمُونَ المحصنات‏}‏ العفيفات بالزنا ‏{‏ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء‏}‏ على زناهنّ برؤيتهم ‏{‏فاجلدوهم‏}‏ أي كل واحد منهم ‏{‏ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً‏}‏ في شيء ‏{‏أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون‏}‏ لإِتيانهم كبيرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ‏}‏ عملهم ‏{‏فَإِنَّ الله غَفُورٌ‏}‏ لهم قذفهم ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ بهم بإلهامهم التوبة فبها ينتهي فسقهم وتقبل شهادتهم وقيل لا تقبل رجوعاً بالاستثناء إلى الجملة الأخيرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يَرْمُونَ أزواجهم‏}‏ بالزنا ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاءُ‏}‏ عليه ‏{‏إِلاَّ أَنفُسُهُمْ‏}‏ وقع ذلك لجماعة من الصحابة ‏{‏فشهادة أَحَدِهِمْ‏}‏ مبتدأ ‏{‏أَرْبَعُ شهادات‏}‏ نصب على المصدر ‏{‏بالله إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين‏}‏ فيما رمى به زوجته من الزنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏والخامسة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكاذبين‏}‏ في ذلك وخبر المبتدأ‏:‏ تدفع عنه حدّ القذف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَدْرَؤُاْ‏}‏ يدفع ‏{‏عَنْهَا العذاب‏}‏ أي حدّ الزنا الذي ثبت بشهاداته ‏{‏أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الكاذبين‏}‏ فيما رماها به من الزنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصادقين‏}‏ في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ‏}‏ بالستر في ذلك ‏{‏وَأَنَّ الله تَوَّابٌ‏}‏ بقبوله التوبة في ذلك وغيره ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ فيما حكم به في ذلك وغيره ليبين الحق في ذلك وعاجَلَ بالعقوبة من يستحقها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين جَاءو بالإفك‏}‏ أسوأ الكذب على عائشة رضي الله عنها، أمّ المؤمنين بقذفها ‏{‏عُصْبَةٌ مّنْكُمْ‏}‏ جماعة من المؤمنين قالت‏:‏ حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبيّ، ومسطح، وحمنة بنت جحش ‏{‏لاَ تَحْسَبُوهُ‏}‏ أيها المؤمنون غير العصبة ‏{‏شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ يأجركم الله به، ويظهر براءة عائشة ومن جاء معها منه وهو صفوان فإنها قالت‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بعدما أنزل الحجاب، ففرغ منها ورجع ودنا من المدينة، وآذن بالرحيل ليلة فمشيت وقفيت شأني وأقبلت إلى الرحل فإذا عقدي انقطع- وهو بكسر المهملة‏:‏ القلادة- فرجعت ألتمسه وحملوا هودجي- هو ما يركب فيه- على بعيري يحسبونني فيه وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العُلْقة- هو بضم المهملة وسكون اللام‏:‏ من الطعام‏:‏ أي القليل- ووجدت عقدي وجئت بعدما ساروا فجلست في المنزل الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ فغلبتني عيناي فنمت وكان صفوان قد عَرَّس من وراء الجيش فادَّلَجَ- هما بتشديد الراء والدال أي نزل من آخر الليل للاستراحة- فسار منه فأصبح في منزله فرأى سواد إنسان نائم- أي شخصه- فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني- أي قوله‏:‏ ‏{‏إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏}‏ ‏[‏156‏:‏ 2‏]‏- فخمرت وجهي بجلبابي- أي غطيته بالملاءة- والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ووطئ على يدها، فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا مُوغرين في نَحْرِ الظهيرة- أي من أوغر واقفين في مكان وَغْر، من شدّة الحر- فهلك من هلك فيَّ، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول اه قولها رواه الشيخان قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ‏}‏ أي عليه ‏{‏مَّا اكتسب مِنَ الإثم‏}‏ في ذلك ‏{‏والذى تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ‏}‏ أي تحمّل معظمه فبدأ بالخوض فيه وأشاعه وهو عبد الله بن أبيّ ‏{‏لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ هو النار في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏لَوْلاَ‏}‏ هلاّ ‏{‏إِذْ‏}‏ حين ‏{‏سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ‏}‏ أي ظنّ بعضهم ببعض ‏{‏خَيْراً وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ‏}‏ كذب بيِّن‏؟‏ فيه التفات عن الخطاب أي ظننتم أيها العصبة وقلتم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏لَوْلاَ‏}‏ هلاّ ‏{‏جَآءُو‏}‏ أي العصبة ‏{‏عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ شاهدوه‏؟‏ ‏{‏فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ الله‏}‏ أي في حكمه ‏{‏هُمُ الكاذبون‏}‏ فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدنيا والأخرة لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ‏}‏ أيها العصبة أو خضتم ‏{‏فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ‏}‏ أي يرويه بعضكم عن بعض وحذف من الفعل إحدى التاءين وإذ منصوب بمسكم أو بأفضتم ‏{‏وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً‏}‏ لا إثم فيه ‏{‏وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ‏}‏ في الإثم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلاَ‏}‏ هلاّ ‏{‏إِذْ‏}‏ حين ‏{‏سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ‏}‏ ما ينبغي ‏{‏لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سبحانك‏}‏ هو للتعجيب هنا ‏{‏هذا بهتان‏}‏ كذب ‏{‏عظِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏يَعِظُكُمُ الله‏}‏ ينهاكم ‏{‏أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ‏}‏ تتعظون بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَيُبَيّنُ الله لَكُمُ الأيات‏}‏ في الأمر والنهي ‏{‏والله عَلِيمٌ‏}‏ بما يأمر به وينهى عنه ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة‏}‏ باللسان ‏{‏في الذين ءَامَنُواْ‏}‏ بنسبتها إليهم وهم العصبة ‏{‏لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدنيا‏}‏ بحدّ القذف ‏{‏والأخرة‏}‏ بالنار لحقِّ الله ‏{‏والله يَعْلَمُ‏}‏ انتفاءها عنهم ‏{‏وَأَنتُمْ‏}‏ أيها العصبة بما قلتم من الإفك ‏{‏لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ وجودها فيهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ‏}‏ أيها العصبة ‏{‏وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ بكم لعاجلكم بالعقوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان‏}‏ أي طريق تزيينه ‏{‏وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان فَإِنَّهُ‏}‏ أي المتبع ‏{‏يَأْمُرُ بالفحشاء‏}‏ أي القبيح ‏{‏والمنكر‏}‏ شرعاً باتباعها ‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم‏}‏ أيها العصبة بما قلتم من الإِفك ‏{‏مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً‏}‏ أي ما صلح وطهر من هذا الذنب بالتوبة منه ‏{‏ولكن الله يُزَكّى‏}‏ يطهِّر ‏{‏مَن يَشَآءُ‏}‏ من الذنب بقبول توبته منه ‏{‏والله سَمِيعٌ‏}‏ بما قلتم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بما قصدتم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَأْتَلِ‏}‏ يحلف ‏{‏أُوْلُواْ الفضل‏}‏ أي أصحاب الغنى ‏{‏مِنكُمْ والسعة أَن‏}‏ لا ‏{‏يُؤْتُواْ أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين فِى سَبِيلِ الله‏}‏ نزلت في أبي بكر حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خالته مسكين مهاجر بدريّ لما خاض في الإِفك بعد أن كان ينفق عليه، وناس من الصحابة أقسموا أن لا يتصدّقوا على من تكلم بشيء من الإِفك ‏{‏وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ‏}‏ عنهم في ذلك ‏{‏أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ للمؤمنين قال أبو بكر‏:‏ بلى أنا أُحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح ما كان ينفقه عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يَرْمُونَ‏}‏ بالزنا ‏{‏المحصنات‏}‏ العفائف ‏{‏الغافلات‏}‏ عن الفواحش بأن لا يقع في قلوبهنّ فعلها ‏{‏المؤمنات‏}‏ بالله ورسوله ‏{‏لُعِنُواْ فِى الدنيا والأخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَ‏}‏ ناصبه الاستقرار الذي تعلق به لهم ‏{‏تَشْهَدُ‏}‏ بالفوقانية والتحتانية ‏{‏عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ من قول وفعل وهو يوم القيامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق‏}‏ يجازيهم جزاءه الواجب عليهم ‏{‏وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين‏}‏ حيث حقق لهم جزاءه الذي كانوا يشكون فيه ومنهم عبد الله ابن أبيّ والمحصنات هن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في قذفهنّ توبة ومن ذكر في قذفهنّ أوّل سورة التوبة ‏[‏3‏:‏ 9‏]‏ غيرهُنّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏الخبيثات‏}‏ من النساء ومن الكلمات ‏{‏لِلْخَبِيثِينَ‏}‏ من الناس ‏{‏والخبيثون‏}‏ من الناس ‏{‏للخبيثات‏}‏ مما ذكر ‏{‏والطيبات‏}‏ مما ذكر ‏{‏لِلطَّيّبِينَ‏}‏ من الناس ‏{‏والطيبون‏}‏ منهم ‏{‏للطيبات‏}‏ مما ذكر أي اللائق بالخبيث مثله وبالطيب مثله ‏{‏أولئك‏}‏ الطيبون والطيبات من النساء ومنهم عائشة وصفوان ‏{‏مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ‏}‏ أي الخبيثون والخبيثات من الرجال والنساء فيهم ‏{‏لَهُمْ‏}‏ للطيبين والطيبات من النساء ‏{‏مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ في الجنة، وقد افتخرت عائشة بأشياء منها أنها‏:‏ خلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقاً كريماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ‏}‏ أي تستأذنوا ‏{‏وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا‏}‏ فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل‏؟‏ كما ورد في حديث ‏{‏ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ من الدخول بغير استئذان ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ بإدغام التاء الثانية في الذال خيريَّتَهُ فتعملون به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً‏}‏ يأذن لكم ‏{‏فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ‏}‏ بعد الاستئذان ‏{‏ارجعوا فارجعوا هُوَ‏}‏ أي الرجوع ‏{‏أزكى‏}‏ أي خير ‏{‏لَكُمْ‏}‏ من القعود على الباب ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ من الدخول بإذنٍ وغير إذنٍ ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ فيجازيكم عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ‏}‏ أي منفعة ‏{‏لَكُمْ‏}‏ باستكنان وغيره كبيوت الربط والخانات والمُسَبَّلَة ‏{‏والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ‏}‏ تُظهرون ‏{‏وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏ تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره، وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم يسلمون على أنفسهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم‏}‏ عما لا يحلُّ لهم نظره، ومن زائدة ‏{‏وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ‏}‏ عما لا يحلّ لهم فعله بها ‏{‏ذلك أزكى‏}‏ أي خيرٌ ‏{‏لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ‏}‏ بالأبصار والفروج فيجازيهم عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن‏}‏ عما لا يحلّ لهنّ نظره ‏{‏وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ‏}‏ عما لا يحلّ لهن فعله بها ‏{‏وَلاَ يُبْدِينَ‏}‏ يُظهرن ‏{‏زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏ وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين، والثاني تحرم، لأنه مظنة الفتنة، ورُجِّح حَسْماً للباب ‏{‏وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ‏}‏ أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع ‏{‏وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ‏}‏ الخفية، وهي ما عدا الوجه والكفين ‏{‏إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ‏}‏ جمع بعل، أي زوج ‏{‏أَوْ ءَآبَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَني إخْوَانِهِنَّ أوْ بَني أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن‏}‏ فيجوز لهم نظره إلا ما بين السرّة والركبة فيحرم نظره لغير الأزواج وخرج بنسائهن الكافرات فلا يجوز للمسلمات الكشف لهنّ وشمل ما ملكت أيمانهنّ العبيد ‏{‏أَوِ التابعين‏}‏ في فضول الطعام ‏{‏غَيْرِ‏}‏ بالجرّ صفة والنصب استثناء ‏{‏أُوْلِى الإربة‏}‏ أصحاب الحاجة إلى النساء ‏{‏مِنَ الرجال‏}‏ بأن لم ينتشر ذكر كُلَ ‏{‏أَوِ الطفل‏}‏ بمعنى الأطفال ‏{‏الذين لَمْ يَظْهَرُواْ‏}‏ يطَّلعوا ‏{‏على عورات النساء‏}‏ للجماع فيجوز أن يبدين لهم ما عدا ما بين السرة والركبة ‏{‏وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ‏}‏ من خلخال يتقعقع ‏{‏وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون‏}‏ مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ تنجون من ذلك لقبول التوبة منه وفي الآية تغليب الذكور على الإناث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ‏}‏ جمع أَيِّم‏:‏ وهي من ليس لها زوج بكرا كانت أو ثيباً ومن ليس له زوج وهذا في الأحرار والحرائر ‏{‏والصالحين‏}‏ أي المؤمنين ‏{‏مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ‏}‏ وعِبَاد من جموع عَبْد ‏{‏إِن يَكُونُواْ‏}‏ أي الأحرار ‏{‏فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله‏}‏ بالتزوّج ‏{‏مِن فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ‏}‏ لخلقه ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً‏}‏ أي ما ينكحون به من مهر ونفقة عن الزنا ‏{‏حتى يُغْنِيَهُمُ الله‏}‏ يوسِّع عليهم ‏{‏مِن فَضْلِهِ‏}‏ فينكحون ‏{‏والذين يَبْتَغُونَ الكتاب‏}‏ بمعنى المكاتبة ‏{‏مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم‏}‏ من العبيد والإِماء ‏{‏فكاتبوهم إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً‏}‏ أي أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة وصيغتها مثلاً‏:‏ كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف فإذا أدّيتَها فأنت حرّ فيقول قبلت ‏{‏وَءاتُوهُم‏}‏ أمرٌ للسادة ‏{‏مِّنْ مَّالِ الله الذي ءاتاكم‏}‏ ما يستعينون به في أداء ما التزموه لكم، ‏{‏وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم‏}‏ أي إمائكم ‏{‏عَلَى البغاء‏}‏ أي الزنا ‏{‏إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً‏}‏ تعففاً عنه، وهذه الإرادة محلّ الإِكراه فلا مفهوم للشرط ‏{‏لّتَبْتَغُواْ‏}‏ بالإِكراه ‏{‏عَرَضَ الحياة الدنيا‏}‏ نزلت في عبد الله بن أبيّ كان يُكْرِهُ جواريه على الكسب بالزنا ‏{‏وَمَن يُكْرِههُّنَّ فِإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ‏}‏ لهنّ ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ بهنّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايات مبينات‏}‏ بفتح الياء وكسرها في هذه السورة، بيَّن فيها ما ذكر، أو تُبَيِّنَة ‏{‏وَمَثَلاً‏}‏ خبراً عجيباً وهو خبر عائشة ‏{‏مّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ أي من جنس أمثالكم أي أخبارهم العجيبة كخبر يوسف ‏[‏12‏]‏ ومريم ‏[‏19‏]‏ ‏{‏وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ‏}‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله‏}‏ ‏{‏لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون‏}‏ الخ ‏{‏وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ‏}‏ الخ ‏{‏يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ‏}‏ الخ وتخصيصها بالمتقين لأنهم المنتفعون بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏الله نُورُ السموات والأرض‏}‏ أي مُنَوِّرهما بالشمس والقمر ‏{‏مَثَلُ نُورِهِ‏}‏ أي صفته في قلب المؤمن ‏{‏كمشكاوة فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِى زُجَاجَةٍ‏}‏ هي القنديل والمصباح السراج أي‏:‏ الفتيلة الموقودة، والمشكاة الطاقة غير النافذة، أي الأنبوبة في القنديل ‏{‏الزجاجة كَأَنَّهَا‏}‏ والنور فيها ‏{‏كَوْكَبٌ دُرّىٌّ‏}‏ أي مضيء بكسر الدال وضمها من الدرء بمعنى الدفع لدفعها الظلام، وبضمها وتشديد الياء منسوب إلى الدرّ‏:‏ اللؤلؤ ‏{‏يُوقَّدُ‏}‏ المصباح بالماضي، وفي قراءة بمضارع أَوْقد مَبْنِيّاً للمفعول بالتحتانية وفي أخرى «تُوقَدُ» بالفوقانية، أي الزجاجة ‏{‏مِنْ‏}‏ زيت ‏{‏شَجَرَةٍ مباركة زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ‏}‏ بل بينهما فلا يتمكن منها حرّ ولا برد مضرين ‏{‏يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‏}‏ لصفائه ‏{‏نُورٌ‏}‏ به ‏{‏على نُورٍ‏}‏ بالنار، ونور الله‏:‏ أي هداه للمؤمن نور على نور الإِيمان ‏{‏يَهْدِى الله لِنُورِهِ‏}‏ أي دين الإِسلام ‏{‏مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ‏}‏ يبيِّن ‏{‏الله الأمثال لِلنَّاسِ‏}‏ تقريباً لأفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا ‏{‏والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ومنه ضرب الأمثال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏فِى بُيُوتٍ‏}‏ متعلق بيسبح الآتي ‏{‏أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ‏}‏ تُعَظَّم ‏{‏وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه‏}‏ بتوحيده ‏{‏يُسَبِّحُ‏}‏ بفتح الموحدة وكسرها‏:‏ أي يُصلي ‏{‏لَهُ فِيهَا بالغدو‏}‏ مصدر بمعنى الغدوات‏:‏ أي البُكر ‏{‏والأصال‏}‏ العشَايَا من بعد الزوال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏رِجَالٌ‏}‏ فاعل يسبِّح بكسر الباء وعلى فتحها نائب الفاعل «له» و«رجال» فاعل فعل مقدّر جواب سؤال مقدر كأنه قيل‏:‏ من يسبحه‏؟‏ ‏{‏لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة‏}‏ أي شراء ‏{‏وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصلاة‏}‏ حذف هاء إقامة تخفيف ‏{‏وَإِيتَاءِ الزكواة يخافون يَوْماً تَتَقَلَّبُ‏}‏ تَضْطَرِبُ ‏{‏فِيهِ القلوب والأبصار‏}‏ من الخوف، القلوب بين النجاة والهلاك، والأبصار بين ناحيتي اليمين والشمال‏:‏ هو يوم القيامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ‏}‏ أي ثوابه وأحسن بمعنى حسن ‏{‏وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ والله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ يقال فلان ينفق بغير حساب أي يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏والذين كَفَرُواْ أعمالهم كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ‏}‏ جمع قاع‏:‏ أي في فلاة وهو شعاع يرى فيها نصف النهار في شدّة الحر يشبه الماء الجاري ‏{‏يَحْسَبُهُ‏}‏ يظنه ‏{‏الظمان‏}‏ أي العطشان ‏{‏مَاءً حتى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً‏}‏ مما حسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله كصدقة ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد عمله أي لم ينفعه ‏{‏وَوَجَدَ الله عِندَهُ‏}‏ أي عند عمله ‏{‏فوفاه حِسَابَهُ‏}‏ أي جزاه عليه في الدنيا ‏{‏والله سَرِيعُ الحساب‏}‏ أي المجازاة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏أَوْ‏}‏ الذين كفروا أعمالهم السيئة ‏{‏كظلمات فِى بَحْرٍ لُّجّىّ‏}‏ عميق ‏{‏يغشاه مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ‏}‏ أي الموج ‏{‏مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ‏}‏ أي الموج الثاني ‏{‏سَحَابٌ‏}‏ أي غيم، هذه ‏{‏ظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ‏}‏ ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الثاني وظلمة السحاب ‏{‏إِذَا أَخْرَجَ‏}‏ الناظر ‏{‏يَدَهُ‏}‏ في هذه الظلمات ‏{‏لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا‏}‏ أي لم يقرب من رؤيتها ‏{‏وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ‏}‏ أي من لم يهده الله لم يهتد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السموات والأرض‏}‏ ومن التسبيح صلاة ‏{‏والطير‏}‏ جمع طائر بين السماء والأرض ‏{‏صافات‏}‏ حال باسطات أجنحتهنّ ‏{‏كُلٌّ قَدْ عَلِمَ‏}‏ الله ‏{‏صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ‏}‏ فيه تغليب العاقل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض‏}‏ خزائن المطر والرزق والنبات ‏{‏وإلى الله المصير‏}‏ المرجع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِى سَحَاباً‏}‏ يسوقه برفق ‏{‏ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ‏}‏ يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة ‏{‏ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً‏}‏ بعضه فوق بعض ‏{‏فَتَرَى الودق‏}‏ المطر ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ‏}‏ مخارجه ‏{‏وَيُنَزّلُ مِنَ السماء مِن‏}‏ زائدة ‏{‏جِبَالٍ فِيهَا‏}‏ في السماء بدل بإعادة الجارّ ‏{‏مِن بَرَدٍ‏}‏ أي بعضه ‏{‏فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ‏}‏ يقرب ‏{‏سَنَا بَرْقِهِ‏}‏ لمعانه ‏{‏يَذْهَبُ بالأبصار‏}‏ الناظرة له‏:‏ أي يَخْطَفَها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏يُقَلّبُ الله اليل والنهار‏}‏ أي يأتي بكل منهما بدل الآخر ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ التقليب ‏{‏لَعِبْرَةً‏}‏ دلالة ‏{‏لأُوْلِى الأبصار‏}‏ لأصحاب البصائر على قدرة الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ‏}‏ أي حيوان ‏{‏مِن مَّاءٍ‏}‏ أي نطفة ‏{‏فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على بَطْنِهِ‏}‏ كالحيات والهوام ‏{‏وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى على رِجْلَيْنِ‏}‏ كالإِنسان والطير ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على أَرْبَعٍ‏}‏ كالبهائم والأنعام ‏{‏يَخْلُقُ الله مَا يَشَاءُ إِنَّ الله على كُلّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏لَّقَدْ أَنزَلْنَا ءايات مبينات‏}‏ أي بيّنات هي القرآن ‏{‏والله يَهْدِى مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ‏}‏ طريق ‏{‏مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ أي دين الإِسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ أي المنافقون ‏{‏ءَامَنَّا‏}‏ صدّقنا ‏{‏بالله‏}‏ بتوحيده ‏{‏وبالرسول‏}‏ محمد ‏{‏وَأَطَعْنَا‏}‏ هما فيما حكما به ‏{‏ثُمَّ يتولى‏}‏ يُعرض ‏{‏فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذلك‏}‏ عنه ‏{‏وَمَا أولئك‏}‏ المعرضون ‏{‏بالمؤمنين‏}‏ المعهودين الموافق قلوبهم لألسنتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ‏}‏ المبلغ عنه ‏{‏لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ‏}‏ عن المجيء إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ‏}‏ مسرعين طائعين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ‏}‏ كفر ‏{‏أَمِ ارتابوا‏}‏ أي شكّوا في نبوّته ‏{‏أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ‏}‏ في الحكم أي فيظلموا فيه‏؟‏ لا ‏{‏بَلْ أولئك هُمُ الظالمون‏}‏ بالإِعراض عنه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ القَول اللائق بهم ‏{‏أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا‏}‏ بالإِجابة ‏{‏وأولئك‏}‏ حينئذٍ ‏{‏هُمُ المفلحون‏}‏ الناجون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله‏}‏ يخافه ‏{‏وَيَتَّقْهِ‏}‏ بسكون الهاء وكسرها بأن يطيعه ‏{‏فأولئك هُمُ الفائزون‏}‏ بالجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم‏}‏ غايتها ‏{‏لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ‏}‏ بالجهاد ‏{‏لَيَخْرُجُنَّ قُل‏}‏ لهم ‏{‏لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ‏}‏ للنبيّ خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه ‏{‏إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول فَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ عن طاعته بحذف إحدى التاءين خطاب لهم ‏{‏فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ‏}‏ من التبليغ ‏{‏وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ‏}‏ من طاعته ‏{‏وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين‏}‏ أي التبليغ البيّن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَدَ الله الذين ءَامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرض‏}‏ بدلاً عن الكفار ‏{‏كَمَا استخلف‏}‏ بالبناء للفاعل والمفعول ‏{‏الذين مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ من بني إسرائيل بدلاً عن الجبابرة ‏{‏وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذى ارتضى لَهُمْ‏}‏ وهو الإِسلام بأن يظهره على جميع الأديان ويوسع لهم في البلاد فيملكونها ‏{‏وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ‏}‏ من الكفار ‏{‏أَمْناً‏}‏ وقد أنجز الله وعده لهم بما ذكر وأثنى عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً‏}‏ هو مستأنف في حكم التعليل ‏{‏وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك‏}‏ الإِنعام منهم به ‏{‏فأولئك هُمُ الفاسقون‏}‏ وأوّل من كفر به قتَلة عثمان رضي الله عنه فصاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخواناً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكواة وَأَطِيعُواْ الرسول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ أي رجاء الرحمة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ تَحْسَبَنَّ‏}‏ بالفوقانية والتحتانية والفاعل الرسول ‏{‏الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ‏}‏ لنا ‏{‏فِى الأرض‏}‏ بأن يفوتونا ‏{‏وَمَأْوَاهُمُ‏}‏ مرجعهم ‏{‏النار وَلَبِئْسَ المصير‏}‏ المرجع هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ لِيَسْتَئْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم‏}‏ من العبيد والإِماء ‏{‏والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم مِنكُمْ‏}‏ من الأحرار وعرفوا أمر النساء ‏{‏ثلاث مَرَّاتٍ‏}‏ في ثلاثة أوقات ‏{‏مِّن قَبْلِ صلاة الفجر وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ الظهيرة‏}‏ أي وقت الظهر ‏{‏وَمِن بَعْدِ صلاة العشاء ثلاث عَوْرَاتٍ لَّكُمْ‏}‏ بالرفع خبر مبتدأ مقدّر بعده مضاف وقام المضاف إليه مقامه‏:‏ أي هي أوقات، وبالنصب بتقدير أوقات منصوباً بدلاً من محل ما قبله قام المضاف إليه مقامه، وهي لإِلقاء الثياب تبدو فيها العورات ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي المماليك والصبيان ‏{‏جُنَاحٌ‏}‏ في الدخول عليكم بغير استئذان ‏{‏بَعْدَهُنَّ‏}‏ أي بعد الأوقات الثلاثة، هم ‏{‏طوافون عَلَيْكُمْ‏}‏ للخدمة ‏{‏بَعْضُكُمْ‏}‏ طائف ‏{‏على بَعْضٍ‏}‏ والجملة مؤكدة لما قبلها ‏{‏كذلك‏}‏ كما بيّن ما ذكر ‏{‏يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات‏}‏ أي الأحكام ‏{‏والله عَلِيمٌ‏}‏ بأمور خلقه ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ بما دبَّره لهم، وآية الاستئذان قيل منسوخة وقيل لا، ولكن تهاون الناس في ترك الاستئذان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ‏}‏ أيها الأحرار ‏{‏الحلم فَلْيَسْتئْذِنُواْ‏}‏ في جميع الأوقات ‏{‏كَمَا استئذن الذين مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ أي الأحرار الكبار ‏{‏كذلك يُبَيّنُ الله لَكُمْ ءاياته والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏والقواعد مِنَ النساء‏}‏ قعدن عن الحيض والولد لكبرهنّ ‏{‏الاتى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً‏}‏ لذلك ‏{‏فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ‏}‏ من الجلباب والرداء والقناع فوق الخمار ‏{‏غَيْرَ متبرجات‏}‏ مظهرات ‏{‏بِزِينَةٍ‏}‏ خفية كقلادة وسوار وخلخال ‏{‏وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ‏}‏ بأن لا يضعنها ‏{‏خَيْرٌ لَّهُنَّ والله سَمِيعٌ‏}‏ لقولكم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بما في قلوبكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ‏}‏ في مؤاكلة مقابليهم ‏{‏وَلاَ‏}‏ حرج ‏{‏على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ‏}‏ أي بيوت أولادكم ‏{‏أَوْ بُيُوتِ ءَابائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أمهاتكم أو بُيُوتِ إخوانكم أو بُيُوتِ أخواتكم أَوْ بُيُوتِ أعمامكم أَوْ بُيُوتِ عماتكم أَوْ بُيُوتِ أخوالكم أَوْ بُيُوتِ خالاتكم أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ‏}‏ أي خزنتموه لغيركم ‏{‏أَوْ صَدِيقِكُمْ‏}‏ وهو مَن صدقكم في مودّته‏.‏ المعنى يجوز الأكل من بيوت من ذكر وإن لم يحضروا أي إذا علم رضاهم به ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً‏}‏ مجتمعين ‏{‏أَوْ أَشْتَاتاً‏}‏ متفرّقين، جمع شت، نزل فيمن تحرّج أن يأكل وحده وإذا لم يجد من يؤاكله يترك الأكل ‏{‏فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً‏}‏ لكم لا أهل بها ‏{‏فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ‏}‏ أي قولوا‏:‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنّ الملائكة تردّ عليكم وإن كان بها أهل فسلموا عليهم ‏{‏تَحِيَّةً‏}‏ مصدر حيا ‏{‏مّنْ عِندِ الله مباركة طَيّبَةً‏}‏ يُثاب عليها ‏{‏كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات‏}‏ أي يفصل لكم معالم دينكم ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ لكي تفهموا ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا المؤمنون الذين ءَامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ‏}‏ أي الرسول ‏{‏على أَمْرٍ جَامِعٍ‏}‏ كخطبة الجمعة ‏{‏لَّمْ يَذْهَبُواْ‏}‏ لعروض عذر لهم ‏{‏حتى يَسْتَئْذِنُوهُ إِنَّ الذين يَسْتَئْذِنُونَكَ أولئك الذين يُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ فَإِذَا استئذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ‏}‏ أمرهم ‏{‏فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ‏}‏ بالانصراف ‏{‏واستغفر لَهُمُ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً‏}‏ بأن تقولوا يا محمد، بل قولوا‏:‏ يا نبيَّ الله، يا رسول الله، في لِينٍ وتواضعٍ وخفضِ صَوْت ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً‏}‏ أي يخرجون من المسجد في الخطبة من غير استئذان خفية مستترين بشيء، ‏(‏وقد‏)‏ للتحقيق ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ‏}‏ أي الله أو رسوله ‏{‏أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ‏}‏ بلاء ‏{‏أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السموات والأرض‏}‏ ملكاً وخلقاً وعبيداً ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ‏}‏ أيها المكلفون ‏{‏عَلَيْهِ‏}‏ من الإِيمان والنفاق ‏{‏وَ‏}‏ يعلم ‏{‏يَوْمٍ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ‏}‏ فيه التفات عن الخطاب أي متى يكون ‏{‏فَيُنَبِّئُهُمْ‏}‏ فيه ‏{‏بِمَا عَمِلُواْ‏}‏ من الخير والشرّ ‏{‏والله بِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ من أعمالهم وغيرها ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

سورة الفرقان

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏تَبَارَكَ‏}‏ تعالى ‏{‏الذى نَزَّلَ الفرقان‏}‏ القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل ‏{‏على عَبْدِهِ‏}‏ محمد ‏{‏لِيَكُونَ للعالمين‏}‏ أي الإِنس والجنّ دون الملائكة ‏{‏نَذِيراً‏}‏ مخوّفا من عذاب الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏الذى لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَئ‏}‏ من شأنه أن يُخْلَق ‏{‏فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً‏}‏ سوّاه تسوية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏واتخذوا‏}‏ أي الكفار ‏{‏مِن دُونِهِ‏}‏ أي الله‏:‏ أي غيره ‏{‏ءَالِهَةً‏}‏ هي الأصنام ‏{‏لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لاِنفُسِهِمْ ضَرّاً‏}‏ أي دفعه ‏{‏وَلاَ نَفْعاً‏}‏ أي جرَّه ‏{‏وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتَاً وَلاَ حياوة‏}‏ أي إماتة لأحد ولا إحياء لأحد ‏{‏وَلاَ نُشُوراً‏}‏ أي بعثاً للأموات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هاذآ‏}‏ أي ما القرآن ‏{‏إِلاَّ إِفْكٌ‏}‏ كذب ‏{‏افتراه‏}‏ محمد ‏{‏وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ‏}‏ وهم أهل الكتاب، قال تعالى ‏{‏فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً‏}‏ كفراً وكذباً‏:‏ أي بهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالُواْ‏}‏ أيضاً هو ‏{‏أساطير الأولين‏}‏ أكاذيبهم، جمع أُسطورة بالضم ‏{‏اكتتبها‏}‏ انتسخها من ذلك القوم بغيره ‏{‏فَهِىَ تملى‏}‏ تقرأ ‏{‏عَلَيْهِ‏}‏ ليحفظها ‏{‏بُكْرَةً وَأَصِيلاً‏}‏ غدوة وعشياً، قال تعالى رداً عليهم‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ أَنزَلَهُ الذى يَعْلَمُ السر‏}‏ الغيب ‏{‏فِي السماوات والأرض إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً‏}‏ للمؤمنين ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالُواْ مَّالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى فِى الاسواق لَوْلآ‏}‏ هلا ‏{‏أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً‏}‏ يصدّقه‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ‏}‏ من السماء ينفقه، ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش‏؟‏ ‏{‏أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ‏}‏ بستان ‏{‏يَأْكُلُ مِنْهَا‏}‏ أي من ثمارها فيكتفي بها‏.‏ وفي قراءة «نأكل» بالنون‏:‏ أي نحن، فيكون له مزية علينا بها ‏{‏وَقَالَ الظالمون‏}‏ أي الكافرون للمؤمنين ‏{‏إِن‏}‏ ما ‏{‏تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا‏}‏ مخدوعاً مغلوباً على عقله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال‏}‏ بالمسحور، والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمْرِ ‏{‏فَضَلُّواْ‏}‏ بذلك عن الهدى ‏{‏فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏تَبَارَكَ‏}‏ تكاثر خير الله ‏{‏الذى إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك‏}‏ الذي قالوه من الكنز والبستان ‏{‏جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار‏}‏ أي في الدنيا لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة ‏{‏وَيَجْعَلْ‏}‏ بالجزم ‏{‏لَّكَ قُصُوراً‏}‏ أيضاً، وفي قراءة بالرفع استئنافاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة‏}‏ القيامة ‏{‏وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً‏}‏ ناراً مُسَعَّرَة‏:‏ أي مشتدّة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً‏}‏ غلياناً كالغضبان إذا غلا صدرُه من الغضب ‏{‏وَزَفِيراً‏}‏ صوتاً شديداً، وسماع التغيظ رؤيته وعلمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَإَذآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً‏}‏ بالتشديد والتخفيف بأن يضيق عليهم، و«منها» حال من ‏(‏مكاناً‏)‏، لأنه في الأصل صفة له ‏{‏مُّقَرَّنِينَ‏}‏ مصفدين قد قرنت‏:‏ أي جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، والتشديد للتكثير ‏{‏دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً‏}‏ هلاكاً فيقال لهم‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً‏}‏ لعذابكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ أذلك‏}‏ المذكور من الوعيد وصفة النار ‏{‏خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التى وُعِدَ‏}‏ ها ‏{‏المتقون كَانَتْ لَهُمْ‏}‏ في علمه تعالى ‏{‏جَزَآءً‏}‏ ثواباً ‏{‏وَمَصِيراً‏}‏ مرجعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خالدين‏}‏ حال لازمة ‏{‏كَانَ‏}‏ وعدهم ما ذكر ‏{‏على رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً‏}‏ يسأله من وعد به ‏{‏رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ‏}‏ ‏[‏194‏:‏ 3‏]‏ أو تسأله لهم الملائكة ‏{‏رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ‏}‏ ‏[‏8‏:‏ 40‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ‏}‏ بالنون والتحتانية ‏{‏وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله‏}‏ أي غيره من الملائكة وعيسى وعزير والجنّ ‏{‏فَيَقُولُ‏}‏ تعالى بالتحتانية والنون للمعبودين إثباتاً للحجة على العابدين‏:‏ ‏{‏ءَأَنْتُمْ‏}‏ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المُسهلة والأخرى وتركه ‏{‏أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هؤلاءآء‏}‏ أوقعتموهم في الضلال بأمركم إياهم بعبادتكم ‏{‏أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل‏}‏ طريق الحق بأنفسهم‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏قَالُواْ سبحانك‏}‏ تنزيهاً لك عما لا يليق بك ‏{‏مَا كَانَ يَنبَغِى‏}‏ يستقيم ‏{‏لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ‏}‏ أي غيرك ‏{‏مِنْ أَوْلِيآءَ‏}‏ مفعول أول ل«نتخذ» ومن زائدة لتأكيد النفي، وما قبله الثاني فكيف نأمر بعبادتنا‏؟‏ ‏{‏ولكن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ‏}‏ من قبلهم بإطالة العمر وسعة الرزق ‏{‏حتى نَسُواْ الذكر‏}‏ تركوا الموعظة والإِيمان بالقرآن ‏{‏وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً‏}‏ هلكى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ‏(‏19‏)‏‏}‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ‏}‏ أي كذب المعبودون العابدين ‏{‏بِمَا تَقُولُونَ‏}‏ بالفوقانية أنهم آلهة ‏{‏فَمَا تَسْتَطِيعُونَ‏}‏ بالتحتانية والفوقانية‏:‏ أي لا هم ولا أنتم ‏{‏صَرْفاً‏}‏ دفعاً للعذاب عنكم ‏{‏وَلاَ نَصْراً‏}‏ منعاً لكم منه ‏{‏وَمَن يَظْلِم‏}‏ يشرك ‏{‏مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً‏}‏ شديداً في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَمآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِى الأسواق‏}‏ فأنت مثلهم في ذلك، وقد قيل لهم مثل ما قيل لك ‏{‏وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً‏}‏ بلية ابتلي الغنيُّ بالفقير، والصحيح بالمريض، والشريف بالوضيع يقول الثاني في كلّ ما لي لا أكون كالأوّل في كلّ ‏{‏أَتَصْبِرُونَ‏}‏ على ما تسمعون ممن ابتليتم بهم‏؟‏ استفهام بمعنى الأمر‏:‏ أي اصبروا ‏{‏وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً‏}‏ بمن يصبر وبمن يجزع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا‏}‏ لا يخافون البعث ‏{‏لَوْلاَ‏}‏ هلا ‏{‏أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة‏}‏ فكانوا رسلاً إلينا ‏{‏أَوْ نرى رَبَّنَا‏}‏ فنخبر بأن محمداً رسوله‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدِ استكبروا‏}‏ تكبّروا ‏{‏فِى‏}‏ شأن ‏{‏أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا‏}‏ طغوا ‏{‏عُتُوّاً كَبِيراً‏}‏ بطلبهم رؤية الله تعالى في الدنيا‏.‏ و‏(‏عتواً‏)‏‏:‏ بالواو على أصله، بخلاف عتيّاً بالإِبدال في مريم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة‏}‏ في جملة الخلائق هو يوم القيامة ونصبه ب «اذكر» مقدّرا ‏{‏لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ‏}‏ أي الكافرين بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة ‏{‏وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً‏}‏ على عادتهم في الدنيا إذا نزلت بهم شدّة أي عوذاً معاذاً يستعيذون من الملائكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ‏(‏23‏)‏‏}‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَدِمْنَآ‏}‏ عمدنا ‏{‏إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ‏}‏ من الخير كصدقة وصلة رحم، وقِرى ضيف وإغاثة ملهوف في الدنيا ‏{‏فجعلناه هَبَآءً مَّنثُوراً‏}‏ هو ما يرى في الكوى التي عليها الشمس كالغبار المفرّق‏:‏ أي مثله في عدم النفع به، إذ لا ثواب فيه لعدم شرطه ويجازون عليه في الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ‏}‏ يوم القيامة ‏{‏خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً‏}‏ من الكافرين في الدنيا ‏{‏وَأَحْسَنُ مَقِيلاً‏}‏ منهم‏:‏ أي موضع قائلة فيها‏:‏ وهي الاستراحة نصف النهار في الحر، وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهار كما ورد في حديث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء‏}‏ أي كلّ سماء ‏{‏بالغمام‏}‏ أي معه وهو غيم أبيض ‏{‏وَنُزِّلَ الملائكة‏}‏ من كل سماء ‏{‏تَنْزِيلاً‏}‏ هو يوم القيامة، ونصبه ب «اذكر» مقدّراً‏.‏ وفي قراءة‏:‏ بتشديد شين «تشقق» بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها‏.‏ وفي أخرى «نُنْزِلُ» بنونين الثانية ساكنة وضم اللام ونصب الملائكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن‏}‏ لا يشركه فيه أحد ‏{‏وَكَانَ‏}‏ اليوم ‏{‏يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً‏}‏ بخلاف المؤمنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم‏}‏ المشرك‏:‏ عقبة ابن أبي معيط كان نطق بالشهادتين ثم رجع إرضاء لأبيّ بن خلف ‏{‏على يَدَيْهِ‏}‏ ندما وتحسراً في يوم القيامة ‏{‏يَقُولُ يَالَيْتَنِى‏}‏ للتنبيه ‏{‏لَيْتَنِى اتخذت مَعَ الرسول‏}‏ محمد ‏{‏سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى الهدى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏يا وَيْلَتَا‏}‏ ألفه عوض عن ياء الإضافة‏:‏ أي ويلتي، ومعناه هلكتي ‏{‏لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً‏}‏ أي أُبَيّاً ‏{‏خَلِيلاً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذكر‏}‏ أي القرآن ‏{‏بَعْدَ إِذْ جآءَنِى‏}‏ بأن ردّني عن الإِيمان به‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ الشيطان للإنسان‏}‏ الكافر ‏{‏خَذُولاً‏}‏ بأن يتركه ويتبرّأ منه عند البلاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ الرسول‏}‏ محمد ‏{‏يارب إِنَّ قَوْمِى‏}‏ قريشاً ‏{‏اتخذوا هذا القرءان مَهْجُوراً‏}‏ متروكاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ‏(‏31‏)‏‏}‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك‏}‏ كما جعلنا لك عدوّاً من مشركي قومك ‏{‏جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ‏}‏ قبلك ‏{‏عَدُوّاً مِّنَ المجرمين‏}‏ المشركين، فاصبر كما صبروا ‏{‏وكفى بِرَبِّكَ هَادِياً‏}‏ لك ‏{‏وَنَصِيراً‏}‏ ناصراً لك على أعدائك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ‏}‏ هلا ‏{‏نُزِّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً واحدة‏}‏ كالتوراة والإِنجيل والزبور‏.‏ قال تعالى‏:‏ نزّلناه ‏{‏كذلك‏}‏ أي متفرّقاً ‏{‏لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ‏}‏ نقوّي قلبك ‏{‏ورتلناه تَرْتِيلاً‏}‏ أي أتينا به شيئاً بعد شيء بتمهّل وتؤدة لتيسير فهمه وحفظه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ‏}‏ في إبطال أمرك ‏{‏إِلاَّ جئناك بالحق‏}‏ الدافع له ‏{‏وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً‏}‏ بياناً لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ‏}‏ أي يُساقون ‏{‏إلى جَهَنَّمَ أولئك شَرٌّ مَّكَاناً‏}‏ هو جهنم ‏{‏وَأَضَلُّ سَبِيلاً‏}‏ أخطأ طريقاً من غيرهم وهو كفرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب‏}‏ التوراة ‏{‏وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون وَزِيراً‏}‏ معيناً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏فَقُلْنَا اذهبآ إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا‏}‏ أي القبط فرعون وقومه فذهبا إليهم بالرسالة فكذبوهما ‏{‏فدمرناهم تَدْمِيراً‏}‏ أهلكناهم إهلاكاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏قَوْمُ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل‏}‏ بتكذيبهم نوحاً لطول لبثه فيهم فكأنَّه ‏(‏رسل‏)‏ أو لأن تكذيبه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد ‏{‏أغرقناهم‏}‏ جواب «لمّا» ‏{‏وجعلناهم لِلنَّاسِ‏}‏ بعدهم ‏{‏ءَايَةً‏}‏ عبرة ‏{‏وَأَعْتَدْنَا‏}‏ في الآخرة ‏{‏للظالمين‏}‏ الكافرين ‏{‏عَذَاباً أَلِيماً‏}‏ مؤلماً سوى ما يحلّ بهم في الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏عَاداً‏}‏ قوم هود ‏{‏وَثَمُودَاْ‏}‏ قوم صالح ‏{‏وأصحاب الرس‏}‏ اسم بئر، ونبيهم قيل شعيب، وقيل غيره‏:‏ كانوا قعوداً حولها فانهارت بهم وبمنازلهم ‏{‏وَقُرُونَاً‏}‏ أقواماً ‏{‏بَيْنَ ذلك كَثِيراً‏}‏ أي بين عاد وأصحاب الرَّسِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال‏}‏ في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإِنذار ‏{‏وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً‏}‏ أهلكنا إهلاكاً بتكذيبهم أنبياءهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ أَتَوْا‏}‏ أي مرَّ كفار مكة ‏{‏عَلَى القرية التى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء‏}‏ مصدر ساء‏:‏ أي بالحجارة وهي عظمى قرى قوم لوط، فأهلك الله أهلها لفعلهم الفاحشة ‏{‏أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا‏}‏ في سفرهم إلى الشام فيعتبرون‏؟‏ والاستفهام للتقرير ‏{‏بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ‏}‏ يخافون ‏{‏نُشُوراً‏}‏ بعثاً فلا يؤمنون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا رَأَوْكَ إِن‏}‏ ما ‏{‏يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً‏}‏ مهزوءاً به يقولون ‏{‏أهذا الذى بَعَثَ الله رَسُولاً‏}‏ في دعواه‏؟‏ محتقرين له عن الرسالة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏إن‏}‏ مخففة من الثقيلة واسمها محذوف‏:‏ أي إنه ‏{‏كَادَ لَيُضِلُّنَا‏}‏ يصرفنا ‏{‏عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلآ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا‏}‏ لصرفنا عنها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب‏}‏ عياناً في الآخرة ‏{‏مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً‏}‏ أخطأ طريقاً، أهم أم المؤمنون‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏أَرَءَيْتَ‏}‏ أخبرني ‏{‏مَنِ اتخذ إلهه هواه‏}‏ أي مَهْوِيَّهُ، قدّم المفعول الثاني لأنه أهمَّ وجملة «من اتخذ» مفعول أوّل لرأيت الثاني و‏{‏أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً‏}‏ حافظاً تحفظه عن اتباع هواه‏؟‏ لا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ‏}‏ سماع تفهم ‏{‏أَوْ يَعْقِلُونَ‏}‏ ما تقول لهم ‏{‏إن‏}‏ ما ‏{‏هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً‏}‏ أخطأ طريقاً منها لأنها تنقاد لمن يتعهدها، وهم لا يطيعون مولاهم المنعم عليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تنظر ‏{‏إلى‏}‏ فعل ‏{‏رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل‏}‏ من وقت الإِسفار إلى وقت طلوع الشمس ‏{‏وَلَوْ شَآءَ‏}‏ ربك ‏{‏لَجَعَلَهُ سَاكِناً‏}‏ مقيماً لا يزول بطلوع الشمس ‏{‏ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ‏}‏ أي الظل ‏{‏دَلِيلاً‏}‏ فلولا الشمس ما عرف الظل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏ثُمَّ قبضناه‏}‏ أي الظل الممدود ‏{‏إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً‏}‏ خفيّاً بطلوع الشمس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً‏}‏ ساتراً كاللباس ‏{‏والنوم سُبَاتاً‏}‏ راحة للأبدان بقطع الأعمال ‏{‏وَجَعَلَ النهار نُشُوراً‏}‏ منشوراً فيه لابتغاء الرزق وغيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى أَرْسَلَ الرياح‏}‏ وفي قراءة‏:‏ الرِّيحَ ‏{‏بُشْرَاً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ‏}‏ أي متفرّقة قدّام المطر‏.‏ وفي قراءة بسكون الشين تخفيفاً‏.‏ وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدراً، وفي أُخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون‏:‏ أي مبشرات، ومفرد الأولى‏:‏ نَشُور، كرسول والأخيرة‏:‏ بشير كقدير ‏{‏وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً‏}‏ مطهّراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً‏}‏ بالتخفيف يستوي فيه المذكر والمؤنث‏:‏ ذكّره باعتبار المكان ‏{‏وَنُسْقِيَهِ‏}‏ أي الماء ‏{‏مِمَّا خَلَقْنآ أنعاما‏}‏ إبلاً وبقراً وغنماً ‏{‏وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً‏}‏ جمع إنسان، وأصله‏:‏ أناسين فأبدلت النون ياء وأدغمت فيها الياء، أو جمع إنسي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ صرفناه‏}‏ أي الماء ‏{‏بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ‏}‏ أصله يتذكروا أدغمت التاء في الذال‏.‏ وفي قراءة ليذْكُروا بسكون الذال وضم الكاف‏:‏ أي نعمة الله به ‏{‏فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا‏}‏ جحوداً للنعمة حيث قالوا‏:‏ مطرنا بنوء كذا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً‏}‏ يخوِّف أهلها ولكن بعثناك إلى أهل القرى كلها نذيراً ليعظم أجرك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏فَلاَ تُطِعِ الكافرين‏}‏ في هواهم ‏{‏وجاهدهم بِهِ‏}‏ أي القرآن ‏{‏جِهَاداً كَبيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى مَرَجَ البحرين‏}‏ أرسلهما متجاورين ‏{‏هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ‏}‏ شديد العذوبة ‏{‏وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ‏}‏ شديد الملوحة ‏{‏وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً‏}‏ حاجزاً لا يختلط أحدهما بالآخر ‏{‏وَحِجْراً مَّحْجُوراً‏}‏ أي ستراً ممنوعاً به اختلاطهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً‏}‏ من المني إنساناً ‏{‏فَجَعَلَهُ نَسَباً‏}‏ ذا نسب ‏{‏وَصِهْراً‏}‏ ذا صهر بأن يتزوج ذكراً كان أو أنثى طلباً للتناسل ‏{‏وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً‏}‏ قادراً على ما يشاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَعْبُدُونَ‏}‏ أي الكفار ‏{‏مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ‏}‏ بعبادته ‏{‏وَلاَ يَضُرُّهُمْ‏}‏ بتركها وهو الأصنام ‏{‏وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً‏}‏ معيناً للشيطان بطاعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَآ أرسلناك إِلاَّ مُبَشِّرًا‏}‏ بالجنة ‏{‏وَنَذِيرًا‏}‏ مخوّفاً من النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ مَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏ أي على تبليغ ما أرسلت به ‏{‏مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ‏}‏ لكن ‏{‏مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً بإنفاق ماله في مرضاته تعالى فلا أمنعه من ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذى لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ‏}‏ متلبساً ‏{‏بِحَمْدِهِ‏}‏ أي قل سبحان الله والحمد لله ‏{‏وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً‏}‏ عالماً تعلق به بذنوب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ‏(‏59‏)‏‏}‏

هو ‏{‏الذى خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ من أيام الدنيا‏:‏ أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو شاء لخلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ‏{‏ثُمَّ استوى عَلَى العرش‏}‏ هو في اللغة سرير الملك ‏{‏الرحمن‏}‏ بدل من ضمير استوى‏:‏ أي استواء يليق به ‏{‏فَسْئَلْ‏}‏ أيها الإِنسان ‏{‏بِهِ‏}‏ بالرحمن ‏{‏خَبِيراً‏}‏ يخبرك بصفاته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ‏}‏ لكفار مكة ‏{‏اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا‏}‏ بالفوقانية والتحتانية‏.‏ والآمر محمد ولا نعرفه‏؟‏ لا ‏{‏وَزَادَهُمْ‏}‏ هذا القول ‏{‏نُفُورًا‏}‏ عن الإِيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ‏(‏61‏)‏‏}‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ‏}‏ تعاظمَ ‏{‏الذى جَعَلَ فِى السمآء بُرُوجاً‏}‏ اثني عشر الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد، والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وهي منازل الكواكب السبعة السيارة المريخ وله الحمل والعقرب، والزهرة ولها الثور والميزان، وعطارد وله الجوزاء والسنبلة، والقمر وله السرطان، والشمس ولها الأسد، والمشتري وله القوس والحوت، وزحل وله الجدي والدلو ‏{‏وَجَعَلَ فِيهَا‏}‏ أيضاً ‏{‏سِرَاجاً‏}‏ هو الشمس ‏{‏وَقَمَراً مُّنِيراً‏}‏ في قراءة «سُرجُاً» بالجمع‏:‏ أي نيرات، وخص القمر منها بالذكر لنوع فضيلتة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً‏}‏ أي يخلف كل منهما الآخر ‏{‏لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ‏}‏ بالتشديد والتخفيف كما تقدم‏:‏ ما فاته في أحدهما من خير فيفعله في الآخر ‏{‏أَوْ أَرَادَ شُكُوراً‏}‏ أي شكراً لنعمة ربه عليه فيهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏وَعِبَادُ الرحمن‏}‏ مبتدأ، وما بعده صفات له إلى «أولئك يجزون» غير المعترض فيه ‏{‏الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً‏}‏ أي بسكينة وتواضع ‏{‏وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون‏}‏ بما يكرهونه ‏{‏قَالُواْ سلاما‏}‏ أي قولاً يسلمون فيه من الإثم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً‏}‏ جمع ساجد ‏{‏وقياما‏}‏ بمعنى قائمين، أي يصلون بالليل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً‏}‏ أي لازماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّهَا سَآءَتْ‏}‏ بئست ‏{‏مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً‏}‏ هي أي موضع استقرار وإقامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏والذين إِذآ أَنفَقُواْ‏}‏ على عيالهم ‏{‏لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ‏}‏ بفتح أوله وضمه‏:‏ أي يضيقوا ‏{‏وَكَانَ‏}‏ إنفاقهم ‏{‏بَيْنَ ذلك‏}‏ الإِسراف والإِقتار ‏{‏قَوَاماً‏}‏ وسطاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التى حَرَّمَ الله‏}‏ قتلها ‏{‏إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك‏}‏ أي واحداً من الثلاثة ‏{‏يَلْقَ أَثَاماً‏}‏ أي عقوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏يضاعف‏}‏ وفي قراءة يضعَّف بالتشديد ‏{‏لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ‏}‏ بجزم الفعلين بدلاً، وبرفعهما استئنافاً ‏{‏مُهَاناً‏}‏ حال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالحا‏}‏ منهم ‏{‏فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ‏}‏ المذكورة ‏{‏حسنات‏}‏ في الآخرة ‏{‏وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً‏}‏ أي لم يزل متصفاً بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن تَابَ‏}‏ من ذنوبه من غير ذكر ‏{‏وَعَمِلَ صالحا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً‏}‏ أي يرجع إليه رجوعاً فيجازيه خيراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ‏}‏ أي الكذب والباطل ‏{‏وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ‏}‏ من الكلام القبيح وغيره ‏{‏مَرُّواْ كِراماً‏}‏ معرضين عنه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ‏}‏ وعظوا ‏{‏بئايات رَبِّهِمْ‏}‏ أي القرآن ‏{‏لَمْ يَخِرُّواْ‏}‏ يسقطوا ‏{‏عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً‏}‏ بل خرّوا سامعين ناظرين منتفعين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا‏}‏ بالجمع والإِفراد ‏{‏قُرَّةِ أَعْيُنٍ‏}‏ لنا بأن نراهم مطيعين لك ‏{‏واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً‏}‏ في الخير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة‏}‏ الدرجة العليا في الجنة ‏{‏بِمَا صَبَرُواْ‏}‏ على طاعة الله ‏{‏وَيُلَقَّوْنَ‏}‏ بالتشديد والتخفيف مع فتح الياء ‏{‏فِيهَا‏}‏ في الغرفة ‏{‏تَحِيَّةً وسلاما‏}‏ من الملائكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏خالدين فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً‏}‏ موضع إقامة لهم وأولئك وما بعده خبر عباد الرحمن المبتدأ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ يا محمد لأهل مكة ‏{‏مَا‏}‏ نافية ‏{‏يَعْبَؤُاْ‏}‏ يكترث ‏{‏بِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ‏}‏ إياه في الشدائد فيكشفها ‏{‏فَقَدْ‏}‏ أي فكيف يعبأ بكم وقد ‏{‏كَذَّبْتُمْ‏}‏ الرسول والقرآن‏؟‏ ‏{‏فَسَوْفَ يَكُونُ‏}‏ العذاب ‏{‏لِزَاماً‏}‏ ملازماً لكم في الآخرة بعد ما يحل بكم في الدنيا، فَقُتل منهم يوم بدر سبعون، وجواب «لولا» دلَّ عليه ما قبله‏.‏